الأحد، يوليو 18، 2010

التيار الأمازيغي و أوجلان الكردي


بقلم : مصطفى الخلفي
( 21 فبراير 2009 ـ عن موقع حركة التوحيد و الإصلاح ) 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رغم أن البعض اعتبر العدوان على غزة كافياً لكشف حقيقة الموقف الفكري و الحضاري لجزء من التيار الأمازيغي و صدقية إيمانه بشعارات الديمقراطية و حقوق الإنسان ، حيث كان من نتائج العدوان حصول عملية فرز عميق بين من انخرط في مناصرة صمود الشعب الفلسطيني ، و بين من رفض التعبير عن موقف إعلامي فضلاً
عن الخروج للتظاهر في الشارع كأحد التجليات البارزة لهذا التضامن في الحالة المغربية ، لكن ما حصل بعد العدوان أكبر بكثير من الموقف الانسحابي الذي برز أثناء العدوان ، و يمهد لتسريع مسلسل الفرز داخل الحركة الأمازيغية بالمغرب.



ففي نهاية الأسبوع الماضي أقدم مجموعة من النشطاء الأمازيغيين على تأسيس جمعية للصداقة الأمازيغية-الكردية بمناسبة الذكرى العاشرة لاعتقال الزعيم الكردي الانفصالي أوجلان ، و هي الخطوة التي انتقدها ناشط أمازيغي آخر معتبراً أنها حملت رداً على الموقف التركي بمناصرة الشعب الفلسطيني في محنته، ففي تصريح ليومية "التجديد" المغربية أكد أن هذه الخطوة رسالة تضامن ضمنية مع الكيان الصهيوني بل و ذهب إلى حد القول بأن بعض الأطراف الأمازيغية أخذت تربط نفسها أخلاقياً بالكيان الغاصب.



الواقع أن مثل هذه التطورات تفرض فتح نقاش جديد/قديم انطلق في أواسط التسعينيات بالمغرب و ركز على الأبعاد الاستراتيجية و الفلسفية والحضارية في الخطاب الأمازيغي ، في ظل حالة التعدد و التنوع القائمة داخله ، وهو نقاش انطلق من فرضيات و استشرافات مستقبلية بالاعتماد على تجارب تطور الحركات الثقافية اللغوية في العالم ، و ارتبط النقاش آنذاك بكتابين الأول للأستاذ عبدالسلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان و الذي حمل عنوان «حوار مع صديق أمازيغي» في سنة 1997 ، و قصد بالصديق العميد السابق للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الأستاذ محمد شفيق ، مع العلم أن الكتاب صدر بعد حوالي خمس سنوات على تعيينه عميداً لهذا المعهد ، و الثاني للأستاذ أحمد عصيد و جاء تحت عنوان «الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي» في سنة 1998 ، ذلك أن عودة مثل هذا النقاش ستتيح فهم الخلفيات النظرية الكامنة وراء المواقف السياسية و الدولية لجزء من التيار الأمازيغي بالمغرب ، بل و ستمكن من نقل ما يثار من خلافات من مرحلة التدافع السياسي المرحلي و الجزئي إلى تدافع ثقافي و فكري ، ستكون له آثاره على المستقبل الثقافي للمغرب.



يمكن هنا الوقوف عند نقطتين سبق للأستاذ عبد السلام ياسين أن أثارهما في كتابه «حوار مع صديق أمازيغي» ، دون أن يعني ذلك الاتفاق مع مجموع ما طرحه الكتاب ، لكن العودة إليهما تساعد في فهم الحركية الحالية ، الأولى تهم تحول الموقف من العرب و العربية إلى عقدة في الخطاب الأمازيغي لدى البعض ، بحيث أصبح همهم هو الانخراط في التميز عن قضايا العرب بغض النظر عن عدالتها أو إلحاحيتها ، و لهذا نتج عن ذلك هذا الموقف الغريب الساكت عن إدانة العدوان على الشعب الفلسطيني بغزة ، و بعده الإقدام على تأسيس جمعية للصداقة الأمازيغية الكردية ، أما النقطة الثانية فهي الهواجس الانفصالية الشعبوية التي تثيرها هذه الخطوة الأخيرة ، و التي جاءت جلية في بيان الهيئة التأسيسية للجمعية بحديثها الصريح عن « تنديدها بما يتعرض له الشعبان الكردي والأمازيغي » و « بالمحاولات الرامية للالتفاف على المطالب المشروعة للشعبين» .



ففيما يخص النقطة الأولى ذهب المؤلف إلى تأكيد التميز و الرفض للطرح المتطرف لبعض القوميين العرب ، و ذلك بقوله : « إن كنتَ - موجهاً الخطاب لمحمد شفيق - تأخذ على القومية العربية ، و على النعرات العروبية و الدينية المحلية ، ازدراءها للناس ، و طغيانها ، و ظلمها ، و بخسها أشياء الناس ، فأنا آخذ عليها زيادة على ذلك استكبارها في الأرض و عتوها و إلحادها » (ص67) ، مع العلم بأن التيار القومي العربي عرف تحولات كبيرة في العقود الأخيرة ، إلا أن الخطاب الوارد في الكتاب اتجه لحل معضلة إرث تاريخي برز في الخمسينيات والستينيات ، و استهدف على السواء التيارات الإسلامية أو دعاة إعادة الاعتبار للغات و الثقافات المحلية .



أما النقطة الثانية في خطاب ذلك الكتاب و التي نجد أن التطورات الحالية أخذت تحمل نذرها ، فهي التوجس من الأفق الصراعي و العلماني للتعدد اللغوي بقوله : « إما أن نتقاتل فيما بيننا ، نحن المسلمين ، و تزدوج ، و تتثلث ، وتتربع لغات و لهجات فذلك التمزيق المميت . تفضي الازدواجيات المتقاتلة إلى ازدواجية في الولاء ، و يفضي ازدواج الولاء عاجلاً أو آجلاً إلى خصام كالذي نشاهده في بلجيكا و كندا حيث تتصارع لغتان و ثقافتان ، و حيث يطلب الفلامانيون البلجيك الانفصال الكلي عن الفرانكفونيين الوالون البلجيك ، و حيث يحتكم الكنديون في كيبيك إلى صناديق الاستفتاء ليستقلوا استقلالاً كاملاً ونهائياً عن الدولة الكندية المزدوجة اللغة مبدئياً ، الأنجلوفونية عملياً و سيادياً » (ص ـ 35) .



فهل أخذت ملامح ذلك تتجلى ؟ بغض النظر عن الجواب ، فإن الحاجة لنقاش مغربي أمازيغي أصبح أكثر إلحاحاً مما مضى ، لأن ذلك هو مدخل الحيلولة دون تطور هذه الملامح الأولية لتصبح واقعا معقدا في المستقبل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق