الجمعة، يوليو 16، 2010

حول تاريخ الإسلام و الأمازيغية و تداخل العلمي و الإيديولوجي

بقلم : مصطفى الخلفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يطال البحث في العلاقة بين الإسلام و الأمازيغ في شمال إفريقيا عدة قضايا تبتدئ بتناول كيفية دخول الإسلام و انتشاره ، و المراحل التي مر بها هذا الانتشار ، و العوامل التي أسهمت في امتداده وصولا إلى مُدارسة تكون المجال الأمازيغي الإسلامي بخصوصيته العربية المختلفة عن باقي المجالات الإسلامية الفارسية و التركية و
غيرها سواء في آسيا أو في إفريقيا ، و هي قضايا يصعب الحسم فيها بفعل تصارع الرهانات السياسية و الإيديولوجية الكامنة وراء الاشتغال بسبر العلاقة بين الأمازيغ و الإسلام من ناحية ، و التي يزيد منها توظيف الغموض الذي اكتنف تلك المرحلة التاريخية و التي أدت ندرة المعطيات والمصادر الموثوقة إلى تسميتها بالمرحلة المظلمة من تاريخ شمال إفريقيا حسب ما ورد في كتاب الباحث غوتيي الصادر سنة 1937 بباريس ( ماضي شمال إفريقيا: القرون المظلمة ) من ناحية أخرى ، و كانت أبرز نتائجه ما عرفته المرحلة الاستعمارية بالمغرب من محاولة اعتبار التدين الإسلامي في المناطق الأمازيغية مجرد تدين سطحي فرض بالقوة و أن محوه مسألة وقت لا أقل و لا أكثر ، و حكم ذلك كل من موجة التنصير التي عرفها المغرب في المرحلة الاستعمارية أو عملية إلغاء العمل بالشريعة الإسلامية في المناطق الأمازيغية في الظهير الذي اشتهر بالظهير الاستعماري لـ 16 مايو 1930.



و المثير أن تكاثر الدراسات في الموضوع وخاصة منها الاستشراقية طيلة المائة سنة الأخيرة لم يحل دون تجاوز الإشكاليات العلمية التي يطرحها الموضوع، بل يمكن القول إنها بقيت مرتهنة لما أنتج في المرحلة الكولونيالية والتي عرفت عمليةَ بعثٍ في العقدين الأخيرين على يد نشطاء التيار الأمازيغي من ذوي التوجه العلماني، ويمكن هنا التوقف عند أعمال كل من رني باسي وألفرد بيل وليفي بروفينسال، الأول بدراسته التي تعود لسنة 1910 حول (البحث في دين البربر) ، والثاني بدراسته في سنة 1938 حول الدين الإسلامي بالبربرية ، والثالث عندما أصدر في سنة 1934 مقتطفات مترجمة من مخطوط (مفاخر البربر) وأتبعها بدراسة ثانية في سنة 1954 وكلاهما حول مرحلة الفتح العربي لشمال إفريقيا حسب عنوان الدراسة الثانية ، وهو ما تجلى بشكل أساسي في عدد من الدراسات والمقالات ، و ذلك منذ دراسة أحمد عصيد في سنة 1998 (الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي - حوار حول إشكاليات المرجعية الدينية والعلمانية و المسألة اللغوية) ، وانتهاءً بالجدل الذي طرح حول العلاقة بين الهوية و التعدد اللغوي و الثقافي من جهة و مشروع الجهوية المتقدمة كصيغة لتوزيع الاختصاصات بين المركز و الجهات ، حيث أثار بعض الفاعلين في الساحة الأمازيغية موضوع الهوية الإسلامية للمغرب في علاقته بإشكالية التعدد الثقافي وتدبير النظام الجهوي المستقبلي للمغرب.



تنتج هذه القراءة التاريخية حالة الخلط بين الاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية و بين المطالبة بمشروع علماني يضع نفسه في موقع المناهضة للحركة الإسلامية و للعمق الإسلامي للمغرب ككل ، و هو الخلط الذي كان سبباً في تغذية الخلافات بين التيارين و التي تجددت بعد أن سعت بعض التوجهات الأمازيغية بالمغرب إلى إلباس الحركة الثقافية الأمازيغية طابع الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة و اعتبار ذلك خاصية جوهرية في الحركة المنبثقة عن الثقافة الأمازيغية .



و الواقع أن الرؤية التي تبلورت في المرحلة الاستعمارية و وجدت صداها عند قطاع من التوجه العلماني الأمازيغي ، شكلت جوابا على الرؤية التي سادت طيلة قرون و قامت على ترويج مقولة دخول الإسلام بعد حصول الهزيمة العسكرية الشاملة مقدمةً انخراط الأمازيغ في الهوية الإسلامية كنتاج لفتح عربي تقدمه بعض القراءات في صيغة دموية محكومة بمنطق تحصيل الغنائم ، إلا أن هذه الرؤية الثانية كانت نتاج خلفية استشراقية تنطلق من أثر سطحي للإسلام في المجال الأمازيغي و توظف في ذلك عددا من المفاهيم كبقاء الأمازيغ في ما سمي تاريخيا بـ ( بلاد السيبة ) أي غير الخاضعة للحكم المركزي ، و احتكامهم للأعراف الخاصة بهم و السابقة عن دخولهم للإسلام ، وصولا إلى لجوئهم لتداول إسلامٍ (غير نصي و هرطقي) في إطار الزوايا بعيدا عن فقهاء المدن و الحواضر ، و حسب ألفرد بيل في كتابه عن (الدين الإسلامي بالبربرية) عند مناقشته لتطور المعتقدات الإسلامية في المغرب ، اعتبر أنها << مرت بتطور تاريخي طويل المدى عرفت فيه الشعائر الإسلامية تلاشيا تدريجيا مع الزمن (...) وتم فيه تقديم تنازلات لمسايرة المعتقدات المحلية >>.



ما سبق يطرح الحاجة لبحث علمي عميق يمكن من تجاوز الرؤيتين السالفتين و إنتاج رؤية جديدة تنطلق من استثمار المعطيات الجديدة في مجال البحث في التاريخ الأمازيغي كما توظف مناهج النقد التاريخي سواء للكتابات التاريخية القديمة أو للإنتاج الاستشراقي الفرنسي ، و تقوم على البحث في البدايات الفعلية لانخراط الأمازيغ في الإسلام مع طرح فرضية نسبية عامل الفتح العسكري ، و الذي لم يتجاوز حد تكسير الحواجز بين دعاة الإسلام و القبائل الأمازيغية ، و أن الانخراط كان نتاج عملية سلمية قائمة على الدعوة المباشرة ، كما تعالج هذه الرؤية مسألة الأخطاء التي واكبت الحملات العسكرية ، و مدارسة العوامل الفاعلة في تبلور المجال الأمازيغي الإسلامي بخصوصيته العربية ، والتي تجعله مختلفا عن المجال الفارسي الإسلامي أو التركي الإسلامي ، و غيرها من المجالات الجغرافية اللغوية في العالم الإسلامي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق