الأحد، يوليو 18، 2010

الإسلاميون و القضايا اللغوية .. حالة الأمازيغية

بقلم : مصطفى الخلفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمثل حالة موقف الإسلاميين من الموضوع الأمازيغي بأبعاده الثقافية والسياسية بالمغرب ، نموذجا لدراسة إشكالية الموقف من التعددية اللغوية للإسلاميين من جهة ، و مدى فعالية توظيف هذه الورقة لمواجهتهم من جهة ثانية .



ذلك أن العلاقة بين الحركتين الإسلامية و الأمازيغية في المغرب انتقلت من مرحلة يغلب فيها التعايش و الحوار الإيجابي في الثمانينيات و حتى بداية التسعينيات ، إلى مرحلة تتسم بالتدافع و الصراع ، حيث برزت إرهاصات هذا الانتقال منذ النصف الثاني لعقد التسعينيات ، ثم أخذ يتبلور أكثر مع صدور البيان الأمازيغي في مارس 2000 ، و بعده صدور الظهير المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في أكتوبر 2001 ، ثم الإعلان عن تركيبة المعهد في يونيو 2002 والمصادقة على اختيار حرف « تيفيناغ » كحرف لتدريس و كتابة اللغة الأمازيغية في فبراير 2003 ، و انتهاء ببدء سياسة التدريس في موسم 2003 ـ 2004 و ما أفرزه ذلك من تفاعلات إيجابية و سلبية في صفوف التيار الأمازيغي ، إذ أدى الزخم المتولد عن صدور البيان الأمازيغي لمحمد شفيق داخل نشطاء الحركة الأمازيغية ، إلى بروز مسارين متوازيين : الأول اتجه نحو تسييس الموضوع الأمازيغي و بناء الحزب الأمازيغي الذي كانت آخر نتائجه مشروع الحزب الديمقراطي الأمازيغي في 2006، و الذي رفضت السلطة الترخيص له ، ثم تبلور توجه ثان ركز على العمق الثقافي للحركة الأمازيغية و دعم مسيرة تدريس و توسيع الحضور الأمازيغي في الحياة العامة ، و استثمار الإمكانات التي يتيحها المعهد مع التركيز على الواجهتين التعليمية و الإعلامية .



الحصيلة بعد خمس سنوات من مسار التدريس ، جعلت الصورة مختلفة ومغايرة عن الوضعية السابقة . فرغم ما يثار هنا و هناك من توترات جزئية ، فإن الحدة التي واكبت إشكالية تحديدالحرف المعتمد في كتابة الأمازيغية ، بعد التقاطب بين ثلاثة أحرف : العربي و اللاتيني و تيفيناغ ، تراجعت بشكل كبير بالمقارنة مع السابق.



فقد شكلت محطة النقاش حول الحرف الأنسب لكتابة و تدريس الأمازيغية العنصر الأساسي في تفجير التناقض بين الحركتين ، و قد كانت البداية مع صدور «بيان مكناس» الذي انبثق عن اللقاء الوطني الذي نظمته جمعية «أسيد» يوم 5 أكتوبر 2002 ، و ضم جمعيات و فعاليات أمازيغية من مختلف المناطق ، و دعا إلى اعتماد «الحرف العالمي اللاتيني» في كتابة و تدريس اللغة الأمازيغية ، وتبعه بيان مضاد لعدد من الجمعيات الأمازيغية و الثقافية و التنموية في 22 أكتوبر 2002 تعلن فيه << رفضها القاطع لكل الأفكار الواردة فيما يسمى ببيان مكناس >> .



و رغم الاحتواء الذي تم لهذه المشكلة عبر اعتماد المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حرف «تيفيناغ» عوضا عن الحرفين العربي و اللاتيني وذلك في دورته في نهاية يناير 2003 ، و غياب رد فعل رافض من لدن الحركة الإسلامية و متابعتها بشكل إيجابي لجهود الإدماج التعليمي للأمازيغية في الموسم الدراسي 2003-2004 ، إلا أن الصراع حول الحرف الأنسب خلّف واقعا نفسيا وفكريا من المفاصلة و التعارض بين الحركتين ، بعد التعثر الميداني الذي عرفته تجربة التدريس بسبب قلة الأطر والتعقيدات الناجمة عن اعتماد حرف «تيفيناغ» القديم الذي حمل معه صعوبات جمة أعاقت بشكل كبير جهود تدريس اللغة الأمازيغية ، فضلا عن إشكالات عدم القدرة على بلورة مشروع يحظى بإجماع المكونات المعتبرة لتوحيد اللغة الأمازيغية ، و هو ما جعل من هدف تحقيق تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في عام 2008 هدفا مستحيلا ، حيث كانت الحصيلة بحسب تقرير المجلس الأعلى للتعليم الصادر بداية هذا العام في حدود 10% فقط، مما أدى إلى تراجع إشكالية تدريس الأمازيغية كإشكالية موجهة للعلاقة بين الحركتين ، بل و تراجع التوترات التي كانت و انحسار ذلك في مجرد سجالات إعلامية بمناسبة بعض المواقف كانخراط أقلية من الأمازيغيين في التطبيع مع إسرائيل .



التطور المسجل هنا أن الطرف الإسلامي المتواجد في البرلمان كان أكثر فعالية في متابعة هذا الموضوع و تكثيف الرقابة الإيجابية ، و صولا إلى تخصيص الموضوع الأمازيغي بإجراءات محددة في البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية لانتخابات سبتمبر 2007 التي نذكر منها الإعلان الصريح عن تبني مطلب << الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية >> ، و الدعوة إلى « تطوير استراتيجية تدريس اللغة الأمازيغية بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، وذلك بهدف الوصول إلى 2500 مؤسسة تعليمية ، و اعتماد مادة إضافية تسمى الثقافة الجهوية في البرامج الجهوية التي تشكل 30% من البرامج و المناهج تعكس التنوع الحضاري للمغرب ماضيا و حاضرا و مستقبلا في ظل الثوابت الدينية و التاريخية للوطن ، مع مضاعفة مردودية برامج تكوين مدرسي الأمازيغية ، و إقرار نظام للتكوين المستمر ، و إقرار مديرية لتدريس الأمازيغية داخل الوزارة الوصية ، و إرساء مسالك خاصة بالأمازيغية بالجامعة المغربية » ، وهو توجه أضعف قدرة التوجه المعادي للإسلاميين داخل الحركة الأمازيغية على استغلال الورقة التعليمية في الاصطدام بالحركة الإسلامية .



الخلاصة هي أن استيعاب مثل هذه القضايا اللغوية و فك الارتباط بين بعدها الثقافي و المحلي و الأبعاد الإيديولوجية ذات العلاقة بمشاريع أخرى كالعلمانية أو غيرها يمثل الاستراتيجية الأفضل ، و هو ما يتطلب تجاوز مرحلة المتابع إلى مرحلة المشارك و تقديم أجوبة عملية على المشكلات الواقعية ، والتوجه مباشرة نحو الناطقين بالأمازيغية و تطوير الخطاب الذي بلورته منذ أواسط التسعينيات في مواجهة الطرح العلماني أو الطائفي و بموازاته الانخراط في جهود تنمية اللغة و الثقافة الأمازيغيتين ، و هو ما يرتبط كذلك بالسعي لتنمية شروط الحوار و التعاون الإيجابي مع التوجهات المعتدلة و غير الطائفية أوالمعادية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق