الأحد، يوليو 18، 2010

إسرائيل والورقة الإثنية في العالم العربي

بقلم : مصطفى الخلفي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو أن زيارة "وفد أمازيغي" غالبيته من رجال التعليم إلى الكيان الصهيوني الشهر الماضي ستشكل نقطة تحول في الحراك الأمازيغي المغربي ، خاصة بعد التصريحات الأخيرة التي صدرت عن بعض أفراد الوفد و التي أعلنت صراحة انخراطها في مشروع تطبيعي سياسي و اقتصادي و ثقافي و انحيازها للأطروحة الصهيونية في
الموقف من القضية الفلسطينية ، و التي << أصبح العرب برفضهم لحق الشعب اليهودي في أرضه و العودة إليه و كذا احتفاظهم بفكرهم التوسعي و الاستعماري هو الذي حال دون إيجاد حل منطقي لذلك الصراع >> (أسبوعية "مغرب اليوم" عدد 27 نوفمبر 2009) بحسب المشرف على الزيارة بوبكر أوتعديت ، و الذي لم يتردد في التأكيد على أن أورشاليم – القدس ــ هي عاصمة إسرائيل في نفس المجلة.



نحن إذن إزاء تطور جديد في مسار القضية الأمازيغية بالمغرب من جهة وكذا سياسة التطبيع مع إسرائيل من جهة أخرى ، ففي السابق كان خطاب بعض رموز التيار الأمازيغي يقتصر على رفضه تبني الموقف المغربي المناهض للمشروع الصهيوني ، و اعتباره القضية الفلسطينية قضية بين العرب و اليهود والذي بلغ إلى حد رفض التضامن مع الشعب الفلسطيني في العدوان الأخير ، كما حصل تبرير زيارةٍ سابقةٍ للكيان الصهيوني بأنها كانت ضرورية لحضور لقاء لحلف الأطلسي ، بل إن اسم جمعية سوس للصداقة الأمازيغية الإسرائيلية في الجنوب التي سعى بعضهم لتأسيسها في سنة 2007 جرى التراجع عنه بعد موجة النقد الشديدة ، و نفس الشيء حصل مع جمعية أخرى في الريف و التي أصبح اسمها جمعية الذاكرة المشتركة.



و لهذا أصبح الأمر مختلفا و بشكل جليّ عن السابق ، فالجمعية التي أسست في 2007 و حرصت على إبعاد كل علاقة بإسرائيل هي التي رعت الزيارة إلى الكيان الصهيوني ، كما أن موضوع الزيارة كان دالاً حيث استغرقت أسبوعاً تم خلاله تلقي دروس في "المحرقة" في متحف "ياد فاشيم" بالقدس ، و عن الأساليب البيداغوجية التربوية الخاصة بتدريسها لفائدة تلاميذ المدارس الأساسية و الثانوية فضلاً عن لقاءات مع أعضاء بالكنيست من أصول مغربية ، كما احتفى جزء من الإعلام الصهيوني بالزيارة التي قُدمت كاختراق للجسم العربي.



الواقع أن الموضوع الذي اختير للزيارة والذي جاء بتحديد من الطرف الداعي ــ أي متحف "فاد ياشيم" ــ يكشف دلالة الرهان الصهيوني على الورقة الأمازيغية عبر السعي لتوظيفها لمصلحة التطبيع الكلي مع المنطقة المغاربية ، والذي يعيد التذكير بالرهان الذي حصل على الورقة الكردية قبل حوالي العقدين وخاصة بعد حرب الخليج الثانية ، ذلك أن موضوع المحرقة يمثل الآلية الشعبية الأساسية عند الحركة الصهيونية المعاصرة لخلق القبول بواقع إسرائيل العدواني و الاستيطاني و التوسعي ، و هو أمر يتجاوز بكثير منطق المطالبة بالتعويضات و رد الاعتبار و كشف ما حصل إبان الحرب العالمية الثانية علي يد ألمانيا النازية إلى جعل هذا الموضوع إطاراً للدفاع عن سياساتٍ حالية للكيان الصهيوني و هو ما نلحظه بجلاء في طبيعة الخطاب الذي صدر عن بعض أعضاء الوفد الأمازيغي بعد عودتهم ، لتصبح قضية المحرقة مدخلا لبناء القبول النفسي بالدولة العبرية ، هذا رغم أن الموضوع في السياق المغربي له دلالة خاصة بفعل رفض المغرب الدخول في السياسة الألمانية المعادية لليهود بعد سقوط فرنسا في يد ألمانيا في بداية الأربعينيات و خضوع المغرب تبعاً لذلك لسياستها.



في المقابل فإن ما طرحه رئيس جمعية سوس العالمة إبراهيم بوغضن عندما فتح ملف الاشتغال الإسرائيلي على الموضوع الأمازيغي و الذي انطلق على الأقل منذ حوالي عقدين و أن الوفد في حقيقته يتاجر بالقضية الأمازيغية ، يكشف عن تحول حدث الزيارة إلى مدخلٍ لنقاش عميق و فرز متنام في صفوف الحركة الأمازيغية ، يتجه للحيلولة دون مصادرة الحركة الثقافية الأمازيغية لمصلحة مشروع تشكيل قاعدة للتطبيع المدني في المغرب متعدد الأبعاد السياسية و الثقافية و الاقتصادية ، مع الإصرار على رفض الربط بين مطالب النهوض بالثقافة الأمازيغية و بين هذا المشروع.



إن تحليل تطورات الأحداث و خاصة في السنوات الأخيرة يعزز للأسف من مصداقية التفسير التآمري لما يجري ، فرغم الاعتراضات التي تثار حول هامشية المجموعة الأمازيغية التي اختارت التطبيع ضمن الخط العام للتيار الأمازيغي و أن ذلك لن يساهم سوى في مزيد من عزلها ليكون مصيرها نفس مصير الذين اختاروا نفس النهج في كردستان ، إلا أن أثر مثل هذه الخطوات يبقى مع ذلك مؤثراً ومشوشاً لا ينبغي الاستهانة به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق