الجمعة، يوليو 16، 2010

المسألة الأمازيغية : التيار المتصدر والرموز التاريخية

بقلم : عبد الإله الزكريتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الانتساب الطيني إلى الأهل و القبيلة لا ينكره الدين الإسلامي إلا إذا انقلب و أصبح دعوى من دعاوي الجاهلية ، و الانتماء إلى القبيلة يجب ألا يخدش في القضية الكبرى و هي قضية إسلام المرء و إيمانه . و هذه ( القضية الكبرى ) هي التي تستحق أن ندافع عنها و نحامي ، و ليست أي قضية أخرى مهما كانت . و إن الانتساب الطيني
السلالي يجب أن لا يتعاظم في أعيننا فيعترض أفق انتمائنا للإسلام . و هذا التعظيم هو الذي حصل لكثير من الشباب المنتسبين إلى المناطق الأمازيغية جغرافيا حيث يصبح همهم الوحيد هو الدفاع عن << قضيتهم >> المصيرية ( الأمازيغية ) و اعتبار الآخر غازيا يجب أن يرجع من حيث جاء . وهذا هو الذي حصل للنازيين فيما يسمى بـ << النقاء العرقي >> و كذلك الصهاينة فيما يسمى بـ << شعب الله المختار >> .و ظاهرة التعصب و الانحياز لدى الشباب هو نتيجة للظلم الذي مورس على المستضعفين منذ الاستقلال الصوري ، فتولّد لدى هؤلاء نوعا من السخط على الوضع الاجتماعي و السياسي حيث وجدوا في الأمازيغية و دُعاتها حصنا حصينا لمقاومة << الأعاريب >> . وإذا كان هذا التحليل صائبا فإنه يتأكد أكثر عندما نتحدث عن منطقة الريف وشبابها . فلازالت الذاكرة الحية تحتفظ بالشراسة و الهمجية التي عومل بها أبناء الريف إبان انتفاضة 1958 من مخزن مغرب << الاستقلال >> ، لكن الطغيان لا يعالج بطغيان مثله ، و الظلم الأصغر الذي يصيبنا به طغاة البشر لا نقابله بالظلم الأكبر و الذي هو الشرك بالله و الإلحاد في دين الله.


من يتصدر المسألة الأمازيغية ؟


يتصدر المسألة الأمازيغية نضالا و كتابة و إعلاما تيار فرنكفوني تغريبي كان بالأمس القريب من أتباع الإيديولوجية الماركسية - بشكل ببغائي - بل ويعتبرها أساس كل تغيير . و بعد تهاوي الصنم الماركسي و انفكاك الإتحاد السوفيتي و استقلال جمهورياته ، و إسقاط جدار برلين ، انقلب هذا التيار إلى إيديولوجية هي خليط من الماركسية ، و الفرنسية و الأمازيغية . تستقطب الشباب إلى << الحركة الثقافية الأمازيغية >> و خاصة طلبة الكليات المتأثرون بهذا التيار بدرجات متفاوتة .


و يزكي هذا الطرح ( الفرنكفوني ) كذلك ميل التيار المتصدر إلى الكتابة باللغة الفرنسية حيث تصدر صحف مكتوبة بالفرنسية بشكل كامل و تصدر أخرى مناصفة بينها و بين العربية. و تكتب على اللافتات أثناء خروج التظاهرات وتنظيم بعض الندوات و المحاضرات ، كما أن ارتباط هذا التيار المتصدر للحركة الأمازيغية بمؤسسات دولية ذات طابع استعماري و مخططات احتوائية مثل << مركز الدراسات الأمازيغية >> بباريس تدل على توجهه الفرنكفوني . و قد سبقت هذه اﻟﻜونكريسات أن وظفت لأهداف استعمارية فرنكفونية أتت بعض مفعولها التقسيمي العنصري في الجزائر . طبعا دون أن ننسى صداقة بعض رموز التيار المتصدر للكيان الصهيوني الإمبريالي التوسعي .


و بالفعل كم نحن الأمازيغ المعتزين بدينهم هوامش في هذه السوق الأمازيغية ، التي دخلها كل داخل ، فترى فيها ناسا لاهون عن مصير أمتهم الإسلامية ، بل منابذون الانتماء لهذه الأمة منذ أن اكتشفوا أن لهم أمة غيرها . ويا عجبا للأمازيغ الأحرار الذين انقادوا وراء هذه الحفنة وأسلسوا لها القياد .


الرموز التاريخية لمتصدري الأمازيغية


يحبذ التيار المتصدر للمسألة الأمازيغية أن يعود إلى العصر الحجري وينتسب إلى العصور الوثنية لما قبل إسلامية ليختاروا لأنفسهم رموزا برعوا في ذلك التاريخ متخطين أجيالا من الأمازيغ المسلمين الذين برعوا هم كذلك على طول التاريخ الإسلامي المجيد . و ها هو كسيلة الفارس الجاهلي الذي حارب المسلمين عن << حقِ >> كان مقتنعا به ، يصبح هو الراية و الرمز لا طارق الفاتح .


و هناك من تأخذه حماسته إلى تراثه العتيد فيسمي أبناءه كسيلة و الداهية ليس إعجابا ببطولتهما ، ولكن لأن الاثنين حاربا الإسلام و المسلمين . و هذا ما فعله كذلك بعض العروبيين مع رموزهم فالذي يسمي ابنه صداما مثلا ، ليس إعجابا بشخصيته الكارزمية ولكن لأن صدام حارب الله و رسوله . و لازال المتصدرون غير راضين على << نظام الحالة المدنية >> المعمول به داخل البلد ، فهم يسعون جادين لتغييره و إدخال مثل الأسماء التي أشرت إليها ، و قد سميت بالفعل بعض الجمعيات الأمازيغية بأسماء جاهلية . كجمعية مسينيسا بطنجة و جمعية يوبا بالحسيمة ، و جمعية يوغورطة بالناظور .


و لا بد من أن نستحضر و نستعرض رموز الصالحين من بني مازغ من المسلمين ، و الذين هم ضمائر غائبة عند التيار المتصدر كالحسن اليوسي الذي لقب بالحسن البصري في زمانه ، و محمد المختار السوسي العالم ، و محمد بن عبد الكريم المجاهد ثم طارق الفاتح ، و يوسف بن تاشفين الملك الصالح ، ومحمد بن تومرت المصمودي ، و عبد المومن بن علي الصنهاجي و غيرهم .


وحتى الأمازيغ المسلمون الذين أثروا في مجرى التاريخ و صنعوا أمجادا لهذه الأمة المسلمة أريد لهم أن يقحموا خدمة << للدعوة >> الأمازيغية الحالية فأصحاب النظرة العرقية الضيقة يسعون جادين ليدرجوا جهاد مؤمنين مصلين مخلصين لله رب العالمين في ناعورة الأيديولوجية العرقية فيتساوى في ذلك << يوبا >> الذي قاوم الرومان و<< كسيلة >> و << الكاهنة >> اللذين حاربا المسلمين و محمد بن عبد الكريم الذي خاض جهادا مريرا ضد المستعمر الإسباني. كلا ! فالأمر أكبر من أن تقزم شخصية << مولاي محند >> إلى هذا المستوى – مقاوم و انتهى الكلام – << ولكن الرجل كان مربيا عالما بدينه مخلصا لله العالمين >> (1). و عندما كان يسأل رحمه الله عن الذي ساعده على محاربة الأعداء ( أرومي ) طوال ست سنوات كان يجيب : << الإيمان و الإيمان وحده >> . الإيمان و الإيمان وحده يا من يريدون أن يبقوا أوفياء لبطلهم المجاهد . و لابد من القول في الأخير ، أن سكوت عدد من العلماء - عما اكتنف تاريخ المسلمين من ممارسات عنصرية منذ أن تحول الحكم من حكم خلافي شوري إلى ملك عضوض ثم جبري على يد الأمويين - أحدث هوة بين أبناء البلد الواحد ، وزاد هذه الهوة شساعة تغاضي النظام التعليمي الرسمي عن فترة مهمة من تاريخ الحضارة المغربية ، و هي فترة ما قبل الفتح الإسلامي و ما أفرزته من عطاء حضاري و الذي هو جزء لا يتجزأ من تاريخنا العام . و لما كانت الهوية المغربية هوية إسلامية متعددة المكونات (أمازيغية و عربية و إفريقية و غيرها) - كما أسلفت - فما الذي يمنع من أن نتداعى إلى ميثاق وطني جامع يقوم على أرضية هذا الانتماء للإسلام تدرج فيه جميع القضايا المجتمعية بما فيها المسألة الأمازيغية ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ حوار مع صديق أمازيغي : ص 222 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق