الأحد، يوليو 18، 2010

من أجل جبهة موحدة بين العربية و الأمازيغية

بقلم : رشيد بوزيان
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تواجه اللغتان الأمازيغية والعربية في منطقة المغرب العربي خصما واحدا ومصيرا مشتركا , و مكتوب عليهما أن تشكلا جبهة موحدة في مواجهة جرائم وخطط العولمة اللغوية و الثقافية في هذه المنطقة من العالم .



لقد انعكس الترابط بين العنصر العربي و العنصر الأمازيغي ، و الانصهار الحاصل
بينهما على المستوى الديمغرافي ، انعكاسا كبيرا على طبيعة العلاقة القائمة بين اللغتين العربية و الأمازيغية , فالتهديدات التي تواجهها اللغتان في هذه المنطقة من العالم مشتركة ، و بالتالي فإن أي خطة للتدخل ينبغي أن تستحضر هذه الحقيقة في كل التفاصيل.



تجر المقارنة الهادئة والمحايدة بين وضع اللغة العربية و وضع اللغة الأمازيغية في منطقة المغرب العربي حتما إلى تقرير حقيقة أن اللغة العربية تعاني من مخاطر حقيقية :



أولا بسبب عوامل الاستهداف الخارجي العالمي و المحلي . و قد انعكست تجليات هذا الاستهداف في الخطط التعليمية المضطربة التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة و التي كانت في أغلبها تخضع لضغوط و إملاءات خارجية .



كانت هذه الضغوط ( التي مورست ، و ما زالت ، في إطار ضرورات بل إكراهات التبعية الاقتصادية و السياسية ) تقوم على "ثقافة" يحتاج المنطق الذي تقوم عليه إلى نقاش كبير حول أسسه العلمية ، و هي ثقافة الربط بين نجاح أي مشروع تنموي حقيقي على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و بين ضرورة الاستجابة لدعوات توطين اللغات الأجنبية في المجتمع و مؤسساته الحيوية .



هذه الدعوات جابهتها مشاريع المقاومة و الممانعة طوال حقبة الاستعمار والاحتلال الفرنسي و الإسباني لهذه البلاد , و هي الآن تنفذ بهدوء و بخطط ووسائل لا تخطئها عين المراقب أبدا و ذلك بأيدي وكلاء الغرب في هذا المجال , وهم في المقام الأول النخب التي ترتبط في مصالحها الحيوية بالغرب و منه تستمد قوتها و قدرتها على الضغط في الاتجاه الذي يخدم مصالحها , و هم أيضا الجماعات المستبدة بوسائل الضغط و التأثير الإستراتيجي على مراكز القوة والمال و على آليات صناعة القرار الأساسي في مختلف المجالات الحيوية للمجتمع .



أما الثانية ، أي اللغة الأمازيغية فهي بالمقارنة مع اللغة العربية في وضع ممتاز جدا بجميع المقاييس ، فوضعها العام مريح للغاية لأنها لغة حية بكل ما للكلمة من معنى ، إنها لغة التداول اليومية في مناطق البربر و هي مناطق مترامية و شاسعة في المقاييس الجغرافية : الأطفال تترعرع فيهم الملكة اللغوية الأمازيغية بشكل سليم في إطار ازدواجية نسبية و محدودة جدا من حيث القوة التداولية مع العامية أو الفرنسية.



لكن العامل الأهم و الضمانة الأهم هي أنها حية في وجدان المتكلمين بها وفي البنية التحتية الاجتماعية الأساسية للغة و التي تمثل الأسرةُ و القبيلةُ والمجتمعُ بمستوياته المختلفة أعمدتَها الأساسيةَ.



هذه حقيقة لا مراء فيها إطلاقا و واقع لا يجرؤ على تكذيبه إلا أحد اثنين : إما مكابر جاحد ، و إما رجل طوى قلبه على بغض العربية و ميراثها الديني والثقافي , و هي حقيقة أؤكدها بناء على تجربتي الشخصية.



فكاتب هذه المقالة من أصول أمازيغية و نشأ في منطقة شمال المغرب وبالضبط في جبال الريف الأمازيغي ، و لم يرحل عنها إلى المنطقة الغربية إلا لضرورة الدراسة في المرحلة الجامعية , فلغة الناس في هذه الجبال هي اللغة الأمازيغية و لا يعرفون غيرها .



أما في الحواضر فلا تكاد تسمع حديثا بالعربية العامية إلا في النادر من الأحوال , أما العربية الفصحى فيقتصر حضورها على المساجد في الآذان والصلوات و حلق تحفيظ القرآن.



و حضور بهذا المستوى لا يمثل أدنى تهديد للغة المحلية فهو ليس بشيء يذكر في المقاييس العلمية . و من يماري و يخطب في المحافل المحلية و الدولية بخلاف ذلك طمعا في الدنيا و حطامها الزائف من القوة و السلطان و المال فحسبنا و حسبه أن يقال لنا و له << استراح من لا عقل له >> .



لأجل ذلك نقول للذين يزعمون أن العربية تمثل تهديدا للغة الأمازيغية يستقوون في مشاريعهم و خططهم في هذا الشأن بالمؤسسات و المنظمات الغربية التي أنشئت خصيصا لإدارة هذا النوع من المعارك و توجيهها بما يخدم مشاريع توطين اللغات الغربية و الحرف اللاتيني - كبدائل وسيطة تخرج فيها الأطراف المتواجهة بماء الوجه لا غالبة و لا مغلوبة - في الأماكن التي تستعر فيها هذه المعارك على نحو مضحك للغاية , إن أنت نظرت إلى تفاصيل المشهد نظرة علمية متأنية تعتمد على ما انتهت إليه العلوم اللغوية الحديثة من اكتشاف لسنن القوة والضعف في اللغات و الآليات التي تحرك أسباب القوة والضعف هذه . نقول لهؤلاء إن المتنفس الحيوي الوحيد للغة العربية هو الإدارة و الإعلام و المؤسسات الرسمية , بل نقول على الأصح المساحة الضيقة الممنوحة للعربية في تفاصيل الحياة الإدارية و الهامش الأضيق الممنوح لها في المشهد الإعلامي والسمعي البصري.



و لمن أراد أن يستوثق من حجم المعاناة التي تعانيها العربية في وسائل الإعلام في المغرب العربي في المغرب و الجزائر و تونس ، فلينظر في مستوى حضور اللغة الفرنسية في هذه الوسائل و ليرجع إلى الدراسات الإحصائية الدقيقة التي قامت بها بعض المؤسسات و التي تؤكد أن أكثر من 70% من البث يتم باللغة الفرنسية .



انظر هل تجد ظلما مثل هذا للغة من اللغات الأوروبية و لا يغرنك في هذا ما آل إليه المشهد السمعي البصري مؤخرا في بلاد الغرب من إنشاء فضائيات ناطقة بالعربية , فهذه عندهم لم تكن في خدمة الأمم العربية و لكن كانت رد فعل على مشاريع الممانعة اللغوية و الثقافية التي جابهتها القوى الغربية في الميدان وهي تصعيد في وسائل المواجهة .



إنه رد فعل على اليأس من مشاريع التوطين اللغوي و البطء الكبير في ظهور النتائج المرجوة , و الحكمة الإستراتيجية التي يلجأ إليها هؤلاء في نحو هذه الأوضاع غير المريحة هي التصعيد في وسائل المواجهة على الواجهات الأخرى للمعركة , واجهة مشاريع التهجين السياسي و التهجين الثقافي و التهجين الإعلامي و التهجين الاقتصادي و هلم جرا , و اللافتة التي ترفرف في سماء هذه المشاريع العملاقة في تاريخ التغيير الحضاري هي توطين ثقافة التسامح والديمقراطية و التعددية و قيم الحرية و هلم جرا!!



تعد الإدارة و الإعلام المتنفس الحيوي الوحيد للغة العربي ، أما التعليم فالطامة فيه أعظم من أن توصف كما ذكرنا آنفا , لكن نقول إن هذه المجالات لا تمثل الفضاء الحيوي الطبيعي الذي تحيى فيه اللغة حياة فطرية طبيعية و تنمو في النفوس و تترعرع بشكل فطري يتناسب مع مقتضيات النواميس و السنن التي تتحكم في الظاهرة اللغوية , فهذه المجالات تحتل مرتبة متدنية في سلم الضمانات التي تضمن للغة حياتها الطبيعية و استمرارها .



ليس في سلم هذه الضمانات أعلى و أرقى من أن تكون اللغة لغة تداول في الحياة اليومية في البيت و السوق و المجتمع , و هذه المساحة ما زالت تتمتع بها الأمازيغية في بلدان المغرب العربي , أما اللغة العربية الفصحى فليست لغة تداول يومي بل هي لغة التعليم و الثقافة .



سيؤدي حرص بعض الجهات على قطع الصلة الوثيقة بين الأمازيغية والمعين الثقافي الإسلامي بمكوناته الدينية و اللغوية إلى نتائج عكسية سلبية تمثل خطرا كبيرا على مستقبل اللغة الأمازيغية و اللغة العربية على حد سواء ( وحدة المصير و الهدف ) .



و أخطر هذه النتائج على الإطلاق هو إفراغ الأوعية اللغوية من معمار ثقافي امتلأت به ، و امتزجت به قرونا من الزمن و لعبت دورا كبيرا على مر التاريخ في تعميق الشعور بالهوية و توطيد قيم الولاء الثقافي للحضارة الإسلامية .



تعد خطط الإفراغ و إعادة تأثيث هذا الوعاء اللغوي بمنظومة قيم ومضامين ثقافية و حضارية أخرى أجنبية لا تمت إلى وجدان الشعوب الأمازيغية بأي صلة حقيقية ، إنها خطط تنطوي على مخاطر جمة ، إن نجحت فإنها ستأتي على الأخضر و اليابس في هذه المنطقة من العالم ، لأن هذه الخطط ستؤدي إلى تغيير الخرائط اللغوية و الثقافية و إعادة رسم الحدود في هذه الخرائط رسما يخدم مصالح المستعمر القديم.



إن تحريك النعرات القومية البربرية القديمة في هذا الاتجاه لا يخفى على أحد أن الذي يقوم به مؤسسات غربية أنشأتها القوى الاستعمارية القديمة ، و هي خطط يراد لها أن تكون خطوة حيوية و إستراتيجية في اتجاه الهدف الأسمى لتلك القوى , و هو تخريب الوعي بالهوية لضمان التحكم و التسلط على المدى المتوسط و البعيد ، أي ضمان ما عجز عن تحقيقه الانتشار الميداني الرهيب للآلة العسكرية في الفترة الاستعمارية بسبب قوة الممانعة التي كان دائما و في كل الحالات سببها الوحدة الانصهار بين العنصر العربي و العنصر الأمازيغي .



الهدف أيضا تخريب نظام المناعة ضد خطط و مشاريع تغيير الولاءات الثقافية و الحضارية و الوجدانية ، و هو نظام مناعة جرّبه المستعمر على الميدان و ذاق من الويلات ما ذاق و كان هو السبب في خروجه من هذه البلاد .



إن الإيهام بأن مشاريع المستعمر القديم في هذا المجال ما هي إلا خدمة للغة الأمازيغية و غيرة عليها من الاندثار و مساعدة الأمازيغ على التمتع بحق الاختلاف و التميز اللغوي و الثقافي عن المحيط الذي قدر لهم أن يعيشوا فيه .



الأمازيغية و العربية في منطقة المغرب العربي تواجهان خصما واحدا و مصيرا واحدا ، و مكتوب عليهما أن تشكلا جبهة موحدة في مواجهة جرائم و خطط العولمة اللغوية و الثقافية في هذه المنطقة من العالم .



هذا الأمر ــ الذي انطلت فيه الحيلة حتى على تيار النخبة المثقفة من أبناء المناطق الأمازيغية ــ إن أمعنا النظر فيه من زاوية علمية صرف فإنه ينبغي أن يقال إنه حتى و إن حسنت النيات ــ و هي حسنة بالفعل في حالات كثيرة جدا أعرفها شخصيا و أكنّ لأصحابها كل المحبة و التقدير ــ فإنه من الناحية العلمية لا مناص من الإقرار بأن لغة تعايشت أوعيتها التعبيرية و الوجدانية زمنا طويلا مع المضامين الحضارية و الثقافية الإسلامية إن أفرغناها من هذه المضامين و خططنا لإعادة تأثيثها وفق معمار ثقافي و حضاري جديد هو المعمار الغربي الفرنسي على وجه التحديد ، فإن تثبيت هذه الغاية و تحقيقها على النحو المرغوب فيه حقا يحتاج إلى قرون ، و لا بد بالتالي من أن تمر الأوضاع اللغوية و الثقافية بحالة فراغ حضاري يريد الغرب أن يستغلها لتحقيق مشاريعه التي فشل في تحقيقها أيام كان على الأرض .



من جهة أخرى حتى و إن نجحت هذه المشاريع و كتب لها أن تحقق معجزة في موازين سنن التغيير في فرض قطيعة بين اللغات الأمازيغية و الحضارة الإسلامية بمضامينها الدينية و الثقافية ، فإن ذلك سيكون ضربة قاصمة لمستقبل هذه اللغات و لقوتها التداولية على نطاق واسع.



ونحن مع ذلك نشك ــ لأسباب علمية تتعلق بطبيعة السنن التي تتحكم في الظاهرة اللغوية و أنماط التغيير التي يمكن أن تتعاقب عليها ــ في أنه سيتحقق ما يصبو إليه خصوم الولاء الثقافي و الحضاري الإسلامي في هذا الشأن .



فمن هذه الجهة فإن الأمازيغية و العربية في منطقة المغرب العربي تواجهان خصما واحدا و مصيرا واحدا ، و مكتوب عليهما أن تشكلا جبهة موحدة في مواجهة جرائم و خطط العولمة اللغوية و الثقافية في هذه المنطقة من العالم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق