الجمعة، يوليو 16، 2010

هــــل كـــــان أجدادنـا الأمازيـــغ علمانيــين ؟!

بقلم : الدكتور أحمد الشقيري الدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



يرى السيد أحمد عصيد أن العلمانية يمكن التأصيل لها في المجتمعات الإسلامية من خلال نشاط بعض الشعوب والقبائل التي كانت تتحاكم إلى قوانين وأعراف تواضعت عليها بعيدا عن أحكام الشريعة الإسلامية ، و يضرب مثالا لذلك بالقبائل الأمازيغية التي كانت تنتخب أعيانها ـ إنفلاس ـ فيضعون لها أحكاما وقوانين يكتبونها في ألواح
ويرجعون إليها عند النزاعات ، بينما يكتفي الفقيه بدور التوجيه في أمور الآخرة ! .



وقد بينا في الحلقة السابقة أن هذه الألواح كان يلجأ إليها في فترات ما يعرف بالسيبة ، حيث يتضاءل نفوذ السلطة المركزية ، و يقل أهل العلم في بعض المناطق النائية ، و حيث يكثر اللصوص و قطاع الطرق ، فيلجأ الناس إلى تلك الألواح التي و إن كانت تفض بعض النزاعات ذات الخصوصية المالية بالأساس ، إلا أنها كانت تشتمل أحيانا على ظلم و جور في حق المعتدين و ذويهم . كما أوردنا فتاوى لبعض كبار الفقهاء في تلك الفترة حول تلك الألواح.



و حتى نستكمل نقض الدعوى التي أوردها السيد أحمد عصيد في الحوار الذي أجرته معه جريدة '' الأحداث- المغربية'' ( العدد 29 أبريل 2005) و التي تبين حدود معرفته بوقائع التاريخ الاجتماعي و الثقافي للشعب الأمازيغي بعد الفتح الإسلامي ، نورد نماذج من فتاوى فقهاء سوس منذ القرن التاسع الهجري حتى الآن ، و التي كانت تغطي مجمل النشاط الإنساني ، و تتابع المستجدات السياسية و الاجتماعية والثقافية و الاقتصادية لتلك الشعوب والقبائل . و سيجد فيها القارئ فتلوى جريئة ومتنوعة تدل على سعة الفقه المالكي ومرونته. واخترنا منها ما يمكن الاستفادة منه في عصرنا اليوم.



و قد اعتمدنا بالأساس على كتاب '' فقه النوازل في سوس '' للعلامة الدكتور لحسن العبادي و هو عبارة عن أطروحة دولة في الدراسات الإسلامية نوقشت سنة 1994 و تم طبعها و نشرها سنة 1999 بكلية الشريعة بأكادير.



يقول مؤلفه ـ حفظه الله ـ : << و لما شرعت في جمع مادة هذا الموضوع و جدت أمامي جيشا عرمرما من الفقهاء الذين عاشوا في سوس خلال القرن التاسع و ما بعده حتى الآن ، ممن اتصفوا بالعلم و التأليف في النوازل ، و شغلوا مناصب القضاء و الإفتاء ، فانتقيت منهم من عثرت له على أثر فقهي ، سواء كان فتاوى أو تآليف فقهية ، فإذا عددهم ينيف على ثلاثمائة اسم ممن لهم إنتاج فقهي >>(8) .



<< ثم إن القبائل السوسية كثيرا ما تكون بعيدة عن بسط الحكومة المركزية نفوذها عليها، فكانت القبائل تحكم نفسها بنفسها وتضبط أمورها بعلمائها ورؤسائها.



و لكثرة العلماء و انتشار التربية الدينية التي تنشأ عليها القبائل كان الرؤساء في مقام المنفذين، وعلماء الدين في مقام الحكام والمشرعين، مما يجعل المطلع على فتاوى السوسيين يتملكه العجب، لأنه سيشاهد الفتاوى والنوازل لا تغادر صغيرة ولا كبيرة من كل ما يتعلق من الحياة من كل جهة >> (34) .



<< فإذا تصفحنا أسئلة الناس وأجوبة الفقهاء عنها خلال القرن التاسع فالعاشر، نجدها أسئلة تتعلق بأحكام بسيطة : تسأل عن شرط الطالب وإصلاح المسجد ، و ضيافة الغرباء و إيوائهم في أماكن خاصة بهم، و عن عوائد الناس في الأعياد و المناسبات ، كتوديع الحجاج و استقبالهم و عن أعرافهم في الأعراس و إعداد الطعام للعامة بعد دفن الموتى ، و عن إقامة الذبائح في المداشيـر( الوزيعة) ، لتنتقل بعد ذلك إلى الأسئلة عن الأحكام الشرعية في الأيمان والنذور و دور الأحباس في المجتمع ، ثم تتناول العلاقات الاجتماعية بين المسلمين و من يعيش بين ظهرانيهم من الذميين ، و خاصة اليهود المغاربة ، وحكم أشكال التعاون السائد بين الناس المعروفة حتى الآن بـ'' التويزة ''،و أشكال التنظيم السياسي و الاجتماعي ، حيث تحاول القبائل في بعض الفترات تنظيم شؤون الناس الخاصة و العامة ، لحرصهم على استتباب الأمن و حفظ النظام العام بوسائل أهمها انتخاب أو تعيين ما يعرف بـ'' إِنْفْلاَسْ '' الذين يفرضون أحيانا دعائر قد تصل إلى مصادرة أموال و ممتلكات المعتدين تطبيقا لقوانين وضعوها لهذا الشأن و تعرف بالألواح.



كما شغلت المرأة و وضعيتها في المجتمع حيزا كبيرا من مسائل النوازل السوسية ، و تظهر العناية بالمرأة أيضا من خلال أحكام الجهاز و الشوار والصداق ، و أحكام الكدّ و السعاية ، و مساهمة المرأة مع الرجل في تنمية المجتمع . هذا إلى جانب الاهتمام بتعليم البنات و البنين ، و ربما خصص للبنات معلم خاص بعد استصدار فتوى في ذلك ... إضافة إلى نوازل تحوم حول أحكام جرائم الفساد و الزنا و الهروب بالنساء و الإستبراء ، و ما إلى ذلك .



و بالجملة ، فالنوازل السوسية ، شأنها شأن غيرها تعتبر سجلا واقعيا للعادات و التقاليد و الأعراف المتأصلة في المجتمع ، الشيء الذي يجعلها تكتسي أهمية بالغة للفقيه و المؤرخ و الباحث الاجتماعي و الأديب ، بل قد ترصد الأحداث والوقائع المهمة التي أغفلها المؤرخ و سجلتها كتب النوازل من خلال احتكاكها بالمجتمع المسلم ، لأن المؤرخ إنما يهتم بالأحداث الأكثر سطحية و وضوحا >> (102) .



للنوازل السوسية خصائص تميزها ، منها أنها نشأت في ظروف صعبة بين قوم يتعصبون لأحكام الشريعة و يناضلون من أجلها ، وهم فقهاء النوزال ، وآخرين يحرفون أحكامها و يقفون في وجهها و يسعون جهدهم لإسقاط حدودها . و كثيرا ما ذهب الفقهاء ضحية ذلك ، لأنهم لم يعيشوا أبدا في الأبراج العاجية وإنما نزلوا إلى الميدان ليعيشوا وسط المعارك اليومية... و قد عرف لهم المجتمع السوسي هذه المكانة ، و نظر إليهم نظرة إكبار ، فكان يعينهم على ما هم بصدده من نشر أحكام الشريعة و يقف إلى جانبهم في السراء و الضراء .



و الظاهر أن ظروف الإنحطاط التي غطت مجمل مناحي الحياة أدت إلى ضعف في التدين و ضعف الإهتمام بالقائمين على الشأن الديني ، يبينه فتوى حول الأوقاف و الشؤون الإسلامية ، للعلامة النظار سيدي عيسى بن عبد الرحمان السكتاني (ت 1062هـ) أحد أعيان سوس ، مفتي مراكش و قاضيها و قبلها تارودانت ، تجلت فيها غيرته على أوضاع المسلمين و ما وصلت إليه أحوالهم من التفريط في شؤون الدين و الأحباس ، و التضييق على الأئمة و المؤذنين ، و هي جواب عن سؤال الفقيه سيدي عبد الرحمان التلمساني ، قال رحمه الله : << أما بعد ، فقد وقفت على جميع ما كتبتم ، و ما إليه أشرتم ثم إن التضييق على الأئمة والمؤذنين ، و النقص عما هم محتاجون إليه في القيام بوظيفتهم ، و ملازمة أوقاتهم ليلا و نهارا ، فمن تغيير الحبس و إخراجه عن مصرفه و تعريض دين الله للضياع ما داموا قائمين بالوظيف ، فالواجب على من بسطت يده في الأرض أن يصرف عنايته لسد هذه الثلمة و النظر في أحباس المسلمين بالمصلحة ، ويقدم الأوكد فالأوكد على ما هو المقصود عند المحبسين سيما أحباس الملوك لأنهم نواب عن المسلمين ، و أما التصرف فيها بحسب الحظوظ النفسانية مع الغفلة عن رعاية ما يجب فلا يحل ، و ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ثم التوسعة على طلبة العلم حملة دين الله و شريعته بنيته واجب ،فإن أموال بيت المال و مستفاداتها كثيرة : مزارع و غيرها ، و من ذلك تكون التوسعة . والعرف في أحباس مغربنا الأقصى ألا تخرج عن الصنفين ، أحدهم و هو الأوكد : الأئمة والمؤذنون ، و الثاني حملة العلم ، و الخروج عنهما تغيير للحبس ، و الله أعلم . وكتب عيسى بن عبد الرحمان >> (أنظر الصفحة 193) .



وسنورد في الحلقة المقبلة نماذج لهذه النوازل السوسية ،تكشف للقارئ تهافت ما زعمه السيد أحمد عصيد من أن الفقيه كان في معزل عن الشؤون الدنيوية التي كان يتولاها أجدادنا الأمازيغ بعيدا عن وصاية الدين . و سنصدّرها بأحكام تتعلق بالأسرة لأن السيد عصيد يزعم أن : << مسيرة الدار البيضاء التي نزلت إليها القوى الإسلامية بكثافة قبل سنوات ضد حقوق المرأة و خطة إدماجها في التنمية كانت أضعاف عدد المتظاهرين بالرباط من أجل هذه الحقوق ، كما كان صخبها أكبر و شعاراتها أكثر عنفا و توعدا ، و لكن ماذا تقرر في النهاية ؟ لقد أجريت التعديلات المطلوبة من طرف المنظمات النسائية و القوى الديمقراطية ، ولم يقم أحد من الحركة الإسلامية بالاحتجاج ضد هذه التعديلات ، بل سكت الجميع بعد صدور قرار اللجنة الملكية ، فما معنى ذلك ؟ معناه أولا أن الذي تقرر تم في اتجاه منطق التاريخ و الواقع و القيم الكونية الزاحفة على كل الثقافات و الأنظمة و الأنساق السياسية ، و معناه أيضا أن القوى السلفية تعلم في قرارة نفسها عدم جدوى مقاومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ، هذه الحقوق التي هي القاعدة القانونية و الفلسفية و الأخلاقية للتحديث و العلمنة >> ( الأحداث المغربية 29 أبريل 2005 ) . و هو بذلك يلغي دور العلماء و القضاة و اجتهاداتهم من داخل اللجنة الملكية ، و على رأسهم العلامة سيدي الحسن العبادي جامع النوازل السوسية التي استقينا منها تلك النماذج ، عسى أن يتأمل السيد عصيد في فقه الأجداد الأمازيغيين .

هناك تعليق واحد:

  1. كل المغاربة الان بدون شك اذا تحدثوا الامازيغية فالامر واصح وان كانوا لا يت حدثونها فا نهم امازيغ مستعربين ولمن اراد التاكد من هذا فليراجع التاريخ

    ردحذف