الجمعة، يوليو 16، 2010

الانحرافات الثلاث المهددة لحركة إعادة كتابة التاريخ الأمازيغي

نقلا عن جريدة التجديد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



كشفت عدد الإصدارات التي أصدرها المعهد و الأعداد الهائلة التي تصدرها بعض الجمعيات الثقافية الأمازيغية من الكتب المتعددة في بعض المجالات والاختصاصات شحا من حيث الإشارة إلى موضوع الهوية الإسلامية للمجتمع المغربي بشكل عام ، و الناطق بالأمازيغية على وجه الخصوص ، و من بين 150 كتابا من إصدارات المعهد
المعلن عنها ، لا يوجد سوى القليل من المصادر التي لا تتعدى رؤوس الأصابع ، التي تشير إلى هذه الهوية بشكل عرضي أو في المخطوطات القليلة التي تم تحقيقها .



محاولة طمس الهوية الإسلامية



يرى الباحث و الفاعل الأمازيغي عبد الله أوباري أن : << مجموعة من المفكرين و المثقفين الأمازيغ ـ مع الأسف ـ انجروا وراء طروحات كان منطلقها خاطئا منذ البداية ، إذ إن الاهتمام بالقضية الأمازيغية كان منطلقا فرنكفونيا علمانيا ، تكون في المدرسة الغربية >> ، و اعتبر أوباري في تصريحه لـ''التجديد'' أن هذا الطرح عندما وجد نفسه أمام العرب في الجزائر ، و في المغرب استعان بالفرنسيين و الإسبان لمواجهتهم و خلق مقابلة بين الأمازيغ والعرب ، و هو ، يضيف أوباري : << منطلق خاطئ ، ذلك أن الكردية التي كانت تعارض صدام في مجموعة من المخططات احتفظت بالحرف العربي، ونحن بهذا المنطق فرض علينا حرف معين ، و كان سيفرض علينا الحرف اللاتيني >> .



و أكد أوباري أن هذا المنطلق أدى إلى مجموعة من الانحرافات على مستوى النتيجة في محاولة طمسها للهوية الإسلامية ، و تتجلى هذه الانحرافات بالخصوص ، حسب أوباري في : << التناقضات التي تسقط فيها طروحات هؤلاء على مستوى اللغة ، باقتراح اللغة الأمازيغية كعدوة للعربية، و عدم إقران أي صفة معادية للغة الفرنسية ، و على مستوى الموقف من الإسلام الذي يعود إلى محركي الملف من فرنسا و إسبانيا، باقتراح دسترة علمانية مقنعة تخفي خلفها معاداة للإسلام >> .



وأكد أوباري أن : << أهم تجلي لهذه الانحرافات هو محاولة إفراغ التراث الأمازيغي من مضمونه الروحي المرتبط بالإسلام ، و مما هو مرتبط بمرتكزات الهوية بصفة عامة ، مؤكدا في هذا الصدد أن ما تقوله النخبة معلق في السماء ، لا يتمثله الأمازيغ المتشبثين بقيمهم الإسلامية ، و هم الذين لا يفرقون بين العرب و الأمازيغ ، مما يجعل هذه الطروحات فارغة >> .



من جانبه اعتبر إبراهيم بوغضن رئيس جمعية سوس العالمة أن الآونة الأخيرة عرفت مناداة بعض الجمعيات الأمازيغية بالعلمانية في بياناتها و في أدبياتها و كذا بعض المثقفين الأمازيغيين ، خصوصا بعد مرحلة التسييس.. << إذ طرحت فكرة علمانية الدولة و المجتمع في العديد من وثائق الحركة الأمازيغية ، حيث تبلور النقاش الذي بدأ سنة 2001 و استمر طيلة سنة 2004 في صدور (ميثاق المطالب الأمازيغية بشأن مراجعة الوثيقة الدستورية ) ، و كذا ( ميثاق الجمعيات الأمازيغية بالريف حول دسترة الأمازيغية ) ، إذ برز منذ أربع سنوات فقط جناح أمازيغي يرفع شعار الأمازيغية كإيديولوجية سياسية ذات مضمون علماني صرف ، يتنكر للمكونات الثقافية الإسلامية ، و يستمد مرجعيته الحضارية من مغرب ما قبل الفتح الإسلامي >> .



و في مقابل هذا الموقف نادت العديد من جمعيات المجتمع المدني باحترام الإسلام ، معتبرة أن معاداة الإسلام أو محاولة طمسه بدعوة الدفاع عن الأمازيغية هو في حد ذاته طمس للأمازيغية و ضرب لجذورها .



افتعال الصراع اللغوي



و من المرتكزات التي يستند إليها خطاب إقصاء الهوية الإسلامية استعداء إحدى أهم الأسس التي ساهمت ، حسب العديد من المفكرين و الباحثين ، في انتشار الدين الإسلامي ، عبر افتعال الصراع بين اللغة العربية و الأمازيغية و هنا يعتبر الدكتور أحمد الريسوني أن : << اللغة الأمازيغية أولى بالعناية و المكانة من أي لغة أجنبية ، من حقها على المغاربة و على الدولة المغربية تمكينها من المكانة اللائقة بها ، و كذلك تطويرها و تأهيلها ، و لتكوين وعاء آخر لشخصية المغرب و ثقافته ، و لتكون أقدر على أداء وظائفها الوطنية بشكل متواصل ومتنام >> .



و اعتبر الريسوني في مقال له تحت عنوان ( المسألة اللغوية بالمغرب ) أن هذا الاهتمام و التمكين للأمازيغية ليس فيه أي تحفظ أو تردد أو إشكال ، مضيفا أن : << المشكلة في بعض من يريدون افتعال خصومة أو معركة بين الأمازيغية مع اللغة العربية و مكانتها الشعبية الدستورية >> ، و اعتبر الريسوني أن : << الحقيقة التاريخية و المصلحة الوطنية تفرضان أن تكون الأمازيغية و العربية شقيقتين لا ضرتين >> ، و أن << هذا يقتضي العمل على تصحيح الخطأ الجسيم الذي تمثل في التخلي عن كتابة الأمازيغية بالحروف العربية و الانتقال إلى ما يسمى بتيفيناغ >> .



و اعتبر الريسوني أن كتابة اللغة الأمازيغية بالحروف العربية هو الذي سيؤدي إلى تقويتها و تعميمها على كافة المغاربة بسهولة و تلقائية ، و هو ما عمل به الأمازيغ حسب الريسوني ، طيلة قرون بتلقائية و بعيدا عن الحسابات النخبوية الإيديولوجية ، و أضاف الريسوني أن أي لغة تتمثل حقيقتها وشخصيتها أساسا في نطقها لا على مستوى الخط ، و استدل الريسوني على ذلك بكون مجموعة من الأمم الإسلامية غير العربية و كتابتها للغاتها المختلفة بالخط العربي، ليخلص إلى كون : << تصحيح الغلط ما زال مطلوبا و ممكنا ، و الخطب فيه يسير و المصلحة الوطنية و مصلحة اللغة الأمازيغية تستدعيان هذا التصحيح >> .



قلب الحقائق



ارتكزت العديد من الكتب التي تم إصدارها منذ عقد في تفاعلات المسألة الأمازيغية على الاستفاضة في البحث في الميثولوجيا الأسطورة الأمازيغية لما قبل الإسلام ، بل و تجريد مجموعة من المؤلفات التي كتبت عن المرحلة الإسلامية ، خاصة تلك التي تحدثت عن الأعراف و التقاليد عن أي ارتباطات بروافد الثقافة الوطنية ، و تحديد سقف مجال التحقيق في مطبوعين للسنة ، في ظل وجود زخم من المخطوطات التي يمكن الاستناد إليها في قراءة موضوعية و علمية للتاريخ الأمازيغي ، و الذي كتبته أعلام أمازيغية معروفة ، في ظل وجود أزيد من خمسة آلاف مخطوط حسب تقديرات مجموعة من الباحثين .



و حسب عبد الله أوباري فهذه المخططات عمدت إلى إفراغ التراث وابتداع منطق العودة إلى أصول وهمية عبر اعتبار اليهود أجداد الأمازيغ و تكريس حركية التطبيع ، و انتعاش عملية إحياء المعتقدات الوثنية ، و الارتكاز على الأسبقية التاريخية للمسيحية في انتعاش الأنشطة التبشيرية .



غير أن الملاحظة الأساسية هي أن ما هو نخبوي من المواقف و الأنشطة لا يعكس حقيقة الأمازيغية ، إلا بصيغة نسبية ، لذلك فإن أغلب الخطابات التي تنتجها النخبة لا تنفذ إلى قرارات المجتمع المغربي ، لأن الطروح التي تتبناها تكاد تكون مفصولة عن القاعدة الشعبية ، إذا ما استثنينا أنشطة بعض الجمعيات الثقافية الأمازيغية ، و إسهامات بعض المثقفين الأمازيغيين ، التي تمكنت من الانتظام المباشر في محيط العوام ، و يسرح أغلب المثقفين الأمازيغيين في عوالمهم الطوباوية و خطاباتهم الأيديولوجية ، التي لا تأخذ من واقع الحياة من النوازل و الأحداث إلا ما يخدم رؤاها الفكرية و السياسية ، و هو نفس الطابع الذي يرصد على مستوى التعاطي مع ملفات و قضايا من قبيل اللغة العربية و الدين الإسلامي ، فالقاعدة الواسعة الشاسعة عبر مجموع ربوع المساحات التي يقطنها الأمازيغ لا يمكن إقناعها بالعداء للغة العربية أو التخلي عن دينها الإسلام.



هل فـُرض الإسلام على الأمازيغ بالسيف ؟!



يتطلب الحديث عن الفتح الإسلامي الوقوف على القاموس المتداول في إثارته ، غير أن النتيجة التي توصلت إليها العديد من البحوث و الدراسات الموضوعية التي أنجزت في الموضوع كما يقول التيجاني بولعوالي في كتابه ( الإسلام و الأمازيغية ) عندما توصل إلى نتيجة مفادها أن الأمازيغ : << استجابوا بشكل تلقائي للإسلام >> ، وأن : << الإسلام جاء لينتصر ، لا بالسيف الذي وظف سياسيا و إيديولوجيا لخدمة مختلف البلاطات التي تعاقبت على احتكار الدين الإسلامي ، و إنما بالقيم التي استمرت بالرغم من اندثار تلك البلاطات و تلاشيها، مما يفند كون الإسلام مجرد غزو مادي أو استعمار سياسي >> .



و يشدد بولعوالي في السؤال ، تأكيدا على تلك القاعدة العامة لفلسفة الفتوحات الاسلامية : << كيف يمكن تفسير تشبث الأمازيغ بالإسلام عبر مراحل تقلدهم سدة الحكم ، و استقلالهم الكلي عن دار الخلافة في المشرق ، إذ كان باستطاعتهم الردة عن الإسلام و الرجوع إلى معتقداتهم التي كانوا يعتقدونها قبل مجيء الإسلام ؟ >> ، و هو معطى تاريخي لا ينكره حتى معتنقو مقولة : إكراه الأمازيغ على الإسلام . و يوضح أن مسألة إسلام أمازيغ المغرب ، كما هو الشأن بالنسبة لغيرهم ، مبنية على القناعة و الرضى . و الأمر لا يتوقف على مرحلة تاريخية معينة بل يستمر بعد عدة قرون إلى اليوم . لذلك يتساءل بولعوالي : << كيف يمكن استيعاب استمرار تمسكهم بهذا الدين في الوقت الحاضر ، و هم يملكون الحرية التامة في اختيار طريق أخرى ؟ >> . فهذه الاعتبارات التي لا ينكرها أحد هي ، حسب بولعوالي، ما يؤدي بحسب العديد من الدارسين إلى اعتبار أن هذه المعطيات لها دلالة واحدة تكمن في كون الفتح الإسلامي : << إنما هو فتح بالقيم التي استقرت في النفوس ليس تحت ضغط السيوف ، و إنما تحت رحمة الحقيقة الإسلامية المطلقة التي زرعت في القلوب الطمأنينة الأمل >> .



و بالرغم من هذه المعطيات الحقيقية ، فإن محاربة الأمازيغيين للإسلام في بداية انتشاره بشمال إفريقيا ــ كما يقدمها الطرح الاستشراقي و أيضا التغريبي ــ أمر جد عادي ، غير أن هذا لا يعني أنهم حاربوا الإسلام على أساس عدائي ، وإنما حاربوه من باب الدفاع عن بلادهم و الذود عن هويتهم الأمازيغية .



و الموقف الدفاعي الذي اتخذه الأمازيغ من الفاتحين المسلمين الأوائل ، لا يعادل ما فعلته القبائل العربية و على رأسها قريشا و بلدان أخرى في محاربة الإسلام ، بالرغم من الأواصر الدموية و العشائرية القوية التي كانت تربط بينهم وبين من حملوا رسالته في بداياتها . و بناء على هذا فإن ''مقاومة'' الانتشار الإسلامي لا تخص الأمازيغ حتى نجعل منها حجة على كونهم أكرهوا على الدين ، ما دام العرب أنفسهم حاربوا الدين قبل أن يعتنقوه.



من جهة أخرى فإن الإسلام لا يمكن أن يوضع في نفس السلة التي يوضع فيها غيره من المستعمرين ، كالبيزنطيين و الوندال و الرومان و غيرهم ، فهؤلاء جاؤوا بنية تحقيق ما هو مادي بالدرجة الأولى ، عبر الاستيلاء على السواحل والأراضي الزراعية و استرقاق الناس و نحو ذلك ، أما الإسلام فجاء بنية تحقيق ما هو معنوي بالدرجة الأولى ، و هو نشر رسالته السماوية و الدعوة إليها .



و الأهم أن الإسلام جاء ليحرر الإنسان من استعباد أخيه الإنسان له ، فتحرر بذلك الأمازيغ من سطوة الغزاة الشماليين و أصبحوا سادة أنفسهم و سادة العالم الذين بددوا بنور الإسلام ظلمات على أوروبا و جزء لا يستهان به من أفريقيا .



لقد صار الإسلام دين الأمازيغ بشكل سريع لأنه جاء ليملأ ذلك الفراغ الروحي الذي لم يتمكن أي دين آخر من ملئه بشكل سليم . ثم إن تلك الأخلاق والمعاملات التي حث الإسلام على التحلي بها كانت حاضرة بشكل لافت في الشخصية الأمازيغية التي وجدت في العقيدة السمحة سندا روحيا يخلصها من حيرتها الوجودية ، و ماديا يحررها من أسر الشعوب الأوروبية التي كانت تنظر إلى سكان شمال أفريقيا نظرة دونية مبنية على الاحتقار و الازدراء و اغتنام خيراته .

هناك تعليق واحد:

  1. في الصميم جزاك الله خيرا
    اكيرحم ربي اكما الموضوعنك افولكي باهرا

    ردحذف