الخميس، يوليو 22، 2010

من هو المغربي ؟


بقلم : محمد أيت بوسلهام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هو سؤال يوجه لكل ذي رؤية ، و لحامل كل مشروع للتغيير ، الخطوة الأولى ينبغي أن تبدأ بالذات ، من نحن ؟ حتى يتعرف المتلقي من يخاطبه ، ويقتنع بأن هذا الخطاب يستند إلى أرضية جغرافية و مرجعية تاريخية و ثقافية و دينية محددة.



عندما نتعرف هويتنا ، يسهل علينا التخطيط لما هو آتٍ ومعالجة ما هو قائم . ما لا يُعرف أصله يُجهل فرعه . و الأصل أن " تسمية المغرب ـ حسب موسوعة وكيبيديا ـ ترجع إلى العرب القدماء الأصليين الذين سكنوا شبه الجزيرة العربية ، و تعني باللغة العربية مكان غروب الشمس ، لأن العرب القدماء اعتقدوا أن الشمس تشرق عندهم و تغرب في أرض المغرب . و قد اتصل العرب بالمغرب أثناء دخولهم شمال إفريقيا أيام الفتوحات الإسلامية "، و كان يٌطلق قديما على المغرب اسم "مـراكش" التي تعني أرض الله بالأمازيغية.



إن سؤال الهوية يجد جوابه في التئام كل دلالات و معاني وجود الإنسان المغربي ، أي في البعد التاريخي و الجغرافي و الحضاري و الديني و العرقي ، وكل اختزال لتعريف "المغربي" في نطاق ضيق يحمل معنى عنصريا مقيتا يزرع بذور الفتنة ، و يرسخ عناصر التفرقة و التشتت ، و لا يساعد على الالتحام الجماعي في إطار الهوية المشتركة ، ذلك أن المغربي ليس عربيا خالصا ، كما أنه ليس أمازيغيا خالصا ، فهو يجمع بين هذا و ذاك و يزيد عليه باقي المكونات الثقافية و العرقية و الدينية ، إذ لا يمكن حرمان اليهودي المغربي من هويته الأصلية ، كما لا يمكن حرمان الزنجي الإفريقي من هذه الهوية ، الشيء الذي ينسحب أيضا على باقي مكونات المجتمع المغربي ، و لهذا فإن المغربي هو الوعاء الذي تلتئم فيه وحدة إثنية متجانسة يتمازج فيها الأمازيغي بالعربي والأندلسي بالزنجي الإفريقي و بمن له أصول أوروبية أو غيرها . إذ لا يمكن الحديث عن الأمازيغي بمعزل عن العنصر العربي أو الإفريقي . لقد وقع انصهار هذه المكونات في قالب واحد ، خصوصا في ظل تعاقب الأنظمة الحاكمة عبر الحقب التاريخية ، و أيضا بسبب حركة تنقل الأشخاص و القبائل بين السهول والجبال ، إلى درجة جعلت المؤرخ الناصري يقول : << سبحان الذي مزغ حاحا وعرّب دكالة >> ، و بالتالي فإن حركة التاريخ و البشر ساعدت على التمازج الثقافي و اللغوي و الحضاري و تحقيق التقارب بين مكونات المجتمع المغربي ، لتخلق انسجاما اجتماعيا و عائليا من حيث الزواج بين الأمازيغ و العرب و غيرهم من العناصر الإثنية المكونة للهوية المغربية. و أي خروج عن هذا السياق ، يؤدي إلى الانحراف في الهوية ، و يخلق البلبلة و يبعث على الشك و الارتياب في نفوس المواطنين الذين يحارون في تحديد المسار و المصير . و أحيانا تكون الهوية أداة قاتلة لحاملها عندما يتم استثناء أي عنصر من مكوناتها الأساسية.


إن اعتبار الهوية قائمة على عنصر واحد يعني أوتوماتكيا إذكاء العنصرية ، وإعلان مكون واحد الحرب على باقي مكونات المجتمع ، و حرمانه من حقه في الوجود و التعايش ، و لهذا لا يعقل أن تنادي بعض العناصر بإلغاء الوجود الأمازيغي ، أو مطالبة الأمازيغ بطرد كل من له أصول عربية أو أندلسية ، أوالدعوة لإلغاء هوية الزنوج الأفارقة . ماذا يعني التنكر للحقوق التاريخية والثقافية للآخرين ؟.. إن مثل هذه الحالات لا يمكن إلا أن تُدخل الأمة في حلقة مفرغة من الجدل الثقافي و التاريخي و السياسي العقيم الذي يُعيق آلة الإنتاج ، ويقود البلاد إلى نفق مسدود.



لا أفهم كيف أن البعض يُخلص في "نضاله" من أجل قضايا و مسائل مفتعلة لمقومات أجنبية وافدة ، دون أدنى احترام للمقومات المحلية القائمة . إنه تناقض صارخ ينم عن ضعف الثقة في الذات مقابل الارتماء في أحضان الآخر ، واعتباره مرجعا في تحديد الهوية المحلية ، حيث إن البعض وصل به الولاء الأعمى للآخر ، إلى القول بأن : << الفكر الأمازيغي هو جزء من الفكر الغربي ، وهو امتداد له >> . و لا أفهم أيضا كيف يبتعد العنصر المحلي عن العناصر القريبة منه ، و يلجأ إلى عناصر غريبة و غربية لإثبات أصوله الثقافية ، والادعاء بأنه كان ضحية للهيمنة و القمع و الإلغاء ، و يقوم باستغلال أحداث عامة أو خاصة لرفع شعارات معادية للوجود العربي و يطالب بطرد كل ما هو عربي ، بل إن هناك من فضل النضال على جبهة الحوار الأمازيغي ـ الإسرائيلي ، بدل الحوار الأمازيغي ـ العربي ، و تنكر لكل ما له علاقة بالوشائج الإنسانية والاجتماعية و الثقافية و الدينية مع العرب . إن مثل هذا الوضع لا يمكن إلا أن يفرز واقعا هشا و متناقضا تسهل معه اختراقات المجتمع ، و تحبط بسببه العزائم، و تسود التفرقة ، و يعم الهوان ، و هي نتائج ترضي الأعداء و تستجيب لغاياتهم ومآربهم في رؤية بلد بدون هوية . و هو ما كان يسعى الاستعمار الفرنسي إلى تحقيقه عندما أعلن عن "الظهير البربري" سنة 1930 ، و قد حاول الفرنسيون قبل ذلك تبديل لغة المغرب بلغتهم ، و سعوا إلى زرع بذور الفتنة بين الطوائف الإثنية ، يقول المستشرق الفرنسي "جودفروي دومومبين" في كتابه "المهمة الفرنسية فيما يخص التعليم في المغرب" الصادر عام 1928 : << إن الفرنسية – و ليست البربرية - هي التي يجب أن تحل مكان العربية كلغة مشتركة و كلغة حضارة >> ، ثم يقول : << إن قوام السياسة البربرية هو العزل الاصطناعي للبربر عن العرب ، و المثابرة في تقريبهم منا من خلال التقاليد >> ، و هذا أيضا ما قرره الكولونيل "مارتي" في كتابه "مغرب الغد" الصادر في تلك الفترة : << أن المدارس البربرية يجب أن تكون خلايا للسياسة الفرنسية ، و أدوات للدعاية ، بدلا من أن تكون مراكز تربوية بالمعنى الصحيح >> ، و لذلك دعا أن يكون المعلمون فيها وكلاء لضباط القيادة و متعاونين معهم ، و دعا إلى أن تكون المدرسة البربرية فرنسية بتعليمها و حياتها ، بربرية بتلاميذها و بيئتها.



البناء المتين للهوية يمر عبر الشعور بوجود قيم مشتركة تجمع كل المغاربة ، يعيشون من أجلها و يحافظون عليها و يموتون في سبيلها . قيم تعيد للمغربي عبق التاريخ الذي صنعه الأدارسة ، و المرابطون ، و الموحدون ، والمرينيون ، و السعديون ، و العلويون ..؛ والذي بناه طارق بن زياد ، و يوسف بن تاشفين ، و أحمد المنصور الذهبي ، والمولى إسماعيل ، و سيدي محمد بن عبد الله و مولاي الحسن الأول ..؛ 14 قرنا من التراكم التاريخي ، و العطاء الحضاري ، و التفاعل الإنساني ، و الإبداع الفكري و الثقافي و الصراع السياسي، حيث لم يكن بن تاشفين الأمازيغي يعتقد أن فكره هو امتداد لفكر "ألفونسو"... والحق يقال إن في التاريخ لعبراً للناس و آيات لأولي الألباب.



والدفاع عن الهوية لا يمر عبر التنصل من الانتماء العربي أو الإسلامي أو الأمازيغي أو الأندلسي ، و إنما يقتضي التجنيد و التعبئة دفاعا عن القيم المشتركة للمجتمع المغربي ، و كلما تشبث الإنسان بقيمه ، كان العطاء وفيرا و الإنتاج كبيرا و التألق مشعا . الانتماء إلى الهوية تترجمه الحركة التفاعلية اليومية للإنسان ، فالمغربي معروف من خلال مظهره و مأكله و مشربه و لغته ، فالحركة التواصلية للبشر تدل على انتمائهم الثقافي و العرقي و الجغرافي.



إن تعرف المغربي هويته الجامعة المشتركة سيمكنه من قراءة موضوعية للتاريخ ، و تعاط إيجابي مع الحاضر و تطلع واسع نحو المستقبل . و كل ذلك سيفرض الاحترام المتبادل للهوية المغربية ، و في نفس الوقت سيفرض احترام الآخرين لهويتك . فالشعب بدون هوية لا يستطيع الاستمرار في الوجود.



ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الهوية المغربية ظلت منذ الحقبة الاستعمارية محط استهداف من قبل الجهات الأجنبية ، وهو ما تؤكده كتابات التاريخ ، فقد سبق للجنرال "بريمون" أن قال في كتابه "الإسلام و المسائل الإسلامية من وجهة النظر الفرنسية" الصادر سنة 1932 : << يجب محو إسلام البربر و فَرْنَستهم >> . أما الأب "جيرو" في كتابه "العدالة الشريفة : عملها ، تنظيمها المستقبلي" الصادر سنة 1930 فيقول : << يجب توجيه غزو معنوي للبربر . الغزاة سيكونون من الإرساليات التبشيرية . لنكلم هؤلاء الناس حول المسيح ؛ أساطيرهم مليئة باسم المخلص >> . و الظاهر أن الواقع الحالي لا يختلف في شيء عن الماضي الاستعماري ، إذ مازالت الحركات التبشيرية المسيحية تستهدف الهوية الدينية للمغاربة.



و بشكل عام يمكن القول إن مسؤولية الحفاظ على تماسك الهوية وصيانتها يقع على عاتق كل مغربي حاكما كان أو محكوما ، ذلك أن احترام المواطن لواجباته فيه احترام لهويته ، كما أن منحه حقوقه كاملة يُشعره بمغربيته، و بهذا نستطيع أن نرد الاعتبار للمظلومين داخل البلد و خارجه من أفراد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا و غيرها من بلدان العالم ، و الذين يجدون صعوبة في إيصال أصواتهم و رفع الظلم عنهم.



إن المغرب اليوم أحوج ما يكون قبل أي وقت مضى للانطلاق نحو المستقبل على جسر متين قوامه هوية مشتركة توحد جميع المغاربة ، وتُؤسس لثقافة جديدة للبناء و التغيير ... من هنا يبدأ الإعداد لمغرب الغد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق